محور في الفكر و الفن : في الفكر قضية العولمة تلخيص - بكالوريا
مقدمة:
إن
مشاغل الإنسان المعاصر الفكرية و الفنية لا تحصى و لا تعد وهي تتعدد بتعدد نشاط
الإنسان و تنوع مجالات الحياة. و الحياة المعاصرة تعرف تشعبا في المشاغل بالنظر
إلى طبيعة الواقع الذي نعيش و ما وسمه من قضايا مستجدة نتيجة الثورة الصناعية ثم
التكنولوجية و ثورة الاتصالات والإعلام و كل ما أسسته الحداثة و ما بعد الحداثة من
مفاهيم و مبادئ تتعلق بالسياسة و الاجتماع و الثقافة و الاقتصاد و ما أفرزه الواقع من عالم يهيمن عليه القطب الواحد
و ما كرسته العولمة من هيمنة خلف شعارات كونية الثقافة و عولمة الاقتصاد و بناء
كون يسع الجميع و تنعم فيه البشرية بالرفاه و رغد العيش، إنه عالم يتطور فيه كل
شيء بطريقة مذهلة و تتقدم فيه بعض الدول بخطى عملاقة بينما ترزح أخرى تحت وطأة
التخلف و الجهل و الأمية و الأمراض و الجوع، و تستفحل فيه الأزمات على أصعدة
مختلفة و في بقاع من العالم متنوعة فهذه حروب لا تكاد تنتهي واحدة منها حتى تندلع
أخرى و هذه أمراض و أوبئة تظهر في كل عام بلون و صورة جديدة و هذه أزمات اقتصادية
و مالية تتكرر و تلك كوارث تزهق أرواح الآلاف و هذا التصحر و الجفاف يمتد و التلوث
ينتشر و يخرب البيئة و يهدد ملايين الأنفس. و العالم العربي باعتباره جزءا من هذا
المشهد ما زال يرزح تحت وطأة الجهل و الأمية و التخلف و يئن تحت وطأة الصراعات و
الحروب و الاستبداد، و مشاريع النهوض و التقدم فيه تتعثر. فمشاغل الإنسان العربي
المعاصر و شواغله متعددة.
قضية العولمة:
العولمة تتضمن معنى إلغاء حدود الدولة في المجال الاقتصادي و الثقافي و ترك الأمور
تتحرك في هذين المجالين عبر العالم و داخل فضاء يشمل الكرة الأرضية جميعها.
1- العولمة في نظر أنصارها: ينظر لها أنصارها و مؤيدوها بعين الرضا و لا ينفكون
يمجدون آثارها فهي عندهم خير مطلق يطال الجميع تبشر بنمو اقتصادي و تقدم تكنولوجي،
فيزول الفقر و الجوع و الخصاصة من العالم و تردم الفوارق بين الدول المتقدمة و
الدول المختلفة. فلا احتكار للمعرفة و العلم و التكنولوجيا، و هي إلى ذلك تبشر
بإشاعة الديمقراطية و نشر حقوق الإنسان و الدفاع عنها بحيث تحمي الذات البشرية و
تكرم. فيتقلص نفوذ الدولة و يهمش دورها لفائدة المنظمات الدولية و المنظمات غير
الحكومية، فيلغى الاستبداد و القهر و الظلم في كون العولمة عولمة الديمقراطية و
حقوق الإنسان.
2- العولمة في نظر خصومها: ينظر إليها المعارضون بعين الشك و التوجس و السخط و
يقفون منها موقف الرفض و النقد فهي عندهم نوع جديد من الامبريالية بل هي عند كثير
منهم أعلى مراحل الامبريالية. و هي عند البعض الآخر أداة لتكريس الهيمنة و التبعية
و وسيلة للغزو و نفي للخصوصية و تدخل مقنع في شأن الدول و سلب لكل سلطة لها خدمة
لمشاريع الليبرالية الجديدة. فالرفاه الموعود و الغنى المنشود استحلا مزيدا من
الفقر و تحولت المعرفة إلى مزيد من الجهل، أذ اتسعت الهوة بين الدول الغنية
المتقدمة و الأخرى الفقيرة، و ازدادت الفجوة الاقتصادية و المعرفية و الرقمية و
التكنولوجية استفحالا. فكأن العولمة تزيد الغني غنى و الفقير فقرا و تخلفا. و
الدول الغنية تمارس من خلال العولمة شكلا جديدا من الاستعمار و الغزو. إنه التوسع
الاقتصادي عبر الشركات متعددة الجنسيات و الاستعمار الفكري و الثقافي عبر الترويج
و التسويق لثقافتها و ايديولوجيتها مسخا للهويات الأخرى و تذويبها لها. إنها
الهيمنة و الحمل على التبعية كرها في كل وجوهها. إن هذا الواقع الذي يسعى فيه
" الكبار" إلى تسويق بضاعتهم و ثقافتهم حتى بالقوة أحيانا سيحمل "
الصغار" انطلاقا من غريزة حب البقاء إلى الدفاع عن أنفسهم بكل الأشكال و
الوسائل، فإذا العولمة التي زعم أنها واحة للسلام و الأمن ساحة حرب و نزاع.